مهنة التعليم لا تُساويها مهنة في الفضل والرِّفعة، ووظيفة المعلِّم من أشرف الوظائف وأعلاها، وكلما كانت المادة العلميَّة أشرف وأنفع، ارتَفع صاحبُها شرفًا ورِفعةً، وأشرف العلوم على الإطلاق العلوم الشرعية، ثم العلوم الأخرى كلٌّ بحسبه، والمعلم إذا أخلَص عمله لله، وعُنِي بتعليمه، نفَع الناس، ووعلَّمهم الخير؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الصحيح: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات)).
ولعل حديث أبي أُمامة - رضي الله عنه - يُبيِّن لنا فضْلَ تعليم الخير؛ يقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جُحرها، وحتى الحوت في البحر، ليُصلون على معلِّم الناس الخير))[1].
ومهمَّة المعلِّم لا تَقتصر على طَرْح المادة العلميَّة على طُلابه فقط، بل هي مهمَّة عسيرة وشاقَّة - وهي يسيرة على مَن يسَّرها الله عليه - فهي تتطلَّب من المعلم صبرًا، وأمانة، ونُصحًا، ورعاية لِمَن تحته، ولو عدَدنا ما الذي ينبغي توفُّره في المعلِّم، لطال بنا المقام[2].
وقبل أن ندخل في فصول هذا الكتاب، أحبُّ أن أُنوِّه بمسألة توضِّح مقصود هذا الكتاب، وهي أنني جعَلت من أفعال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأقواله، مستندًا لي في استنباط صفات المعلم، وطرق التدريس المختلفة؛ وذلك لأن لنا في رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُسوة حسنة؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].
ولأنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - المعلم الأوَّل الذي علَّم وربَّى صحابته، فكانوا خيرَ طلابٍ لخير معلِّم؛﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].
دور المعلم الفعَّال في العملية التعليمية:
دور المعلم كبير وحيوي في العمليَّة التربويَّة والتعليميَّة، ويجب أن يبتعدَ عن الدور التقليدي الإلقائي، وألاَّ يكون وعاءً للمعلومات، بل إنَّ دورَه هو توجيه الطلاب عند الحاجة دون التدخُّل الكبير، وعليه فإن دوره الأساسي يَكمُن في التخطيط لتوجيه الطلاب، ومساعدتهم على إعادة اكتشاف الحقائق العلميَّة المتعلِّقة بالموضوع، ومن العوائد التربويَّة من هذا كلِّه نجد ما يلي:
1- تدرُّب الطلاب على الأسلوب العلمي في التفكير.
2- تدرُّب الطلاب على أسلوب الحوار والمناقشة المُنظَّمة.
3- اكتساب الطلاب للمهارات العمليَّة المتعلِّقة بالتجربة.
4- تعلُّم الطلاب أسلوب كتابة التقارير العلمية.
5- تكوُّن مهارة الاتِّصال؛ وشَرْح الفكرة العلميَّة للآخرين بطريقة مُقنعة.
المعلم أو المدرس المؤثر:
إن شخصيَّة المدرِّس هي المقياس الذي بواسطته يُمكن الحُكم [عليه] وتقويم مدى أو مقدار التدريس المؤثر، إن التدريس المؤثِّر هو الذي يستطيع أن يجدَ طرائق مختلفة؛ لجعلِ الطلاب - وبصورة مناسبة - مُنشغلين بالدرس لأطول مُدة مُمكنة من الدرس، وبدون اللجوء إلى الإجبار وعقوبة الطالب، وإن التأثير ليس في الطريقة المُستعملة نفسها دائمًا بالدرجة التي فيها تتبع هذه الطريقة أو الطرائق، أو على نسبة من الوقت المُخصَّص للتعلُّم، واستعمال طرائق متعدِّدة من أجْل التفاعلات والعلاقات، وأنَّ النموذج الذي يكون أكثر ألفةً والمرتبط مع الدروس، والذي فيه نسبة عالية من وقت التعليم - يُمكن وصفه تحت عنوان: "التدريس المباشر".
صفات المعلِّم أو المدرس المؤثِّر:
1- توبيخه للطلاب قليل.
2- كثير المدح والثناء، وقليل الانتقاد "التحفيز الإيجابي".
3- قليل السلوك الفوضوي.
4- لديه إلْمَامٌ بالأمور القيادية.
5- إعطاء الإرشادات بصورة مناسبة.
6- إشغال الطلَبة بنسبة أكثر من الوقت في الفعاليات.
7- يعمل مع مجموع الصف.
8- مُراعاة الفروق الفردية.
من الصفات الشخصيَّة التي يجب أن يتحلَّى بها المعلم:
1- إخلاص العلم لله:
أمرٌ عظيم غفَل عنه كثيرٌ منَ المعلِّمين والمربِّين، ألا وهو تأسيس وغَرْس مبدأ إخلاص العلم والعمل لله، وهو أمر لم يفطن له الكثير؛ لبُعد فِئام من الناس عن المنهج الربَّاني، ولعَمْر الله، كم مِن علوم مفيدة وأعمال جليلة للأُمة، لَم يَستفد أصحابها منها شيئًا، وذهبَت أدْرَاج الرياح، وكانت هباءً منثورًا؛ وذلك لأنَّ أصحابها لَم يُخلصوا في علومهم وأعمالهم، ولَم يجعلوها في سبيل الله، ولَم يكن هَمُّهم نفعَ إخوانهم المسلمين بهذه العلوم والمعارف والأعمال، إنما كانت أغراضهم نَيْلَ منصبٍ أو جاه، ونحو ذلك؛ ولذلك استحقَّت أن تكون هباءً منثورًا.
إي نعم، قد ينتفع أولئك بعلومهم ومعارفهم في الدنيا من مدح وثناء، ونحو ذلك، ولكن ذلك عاقِبته إلى زوال، ولعلَّ الحديث الذي رواه أبو هريرة يُجسِّد ذلك المعنى؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ورجل تعلَّم العلم، وقرأ القرآن، فأُتي به، فعرَّفه نِعَمه، فعرَفها، فقال: ما عَمِلت فيها، قال: تعلَّمت العلم وعلَّمته، وقرَأت فيك القرآن، قال: كذَبت، ولكنَّك تعلَّمت العلم؛ ليقال: عالِم، وقرَأت القرآن؛ ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أُمِرَ به، فسُحِب على وجهه؛ حتى أُلقي في النار))؛ الحديث.
ولذا كان حَرِيًّا بالمربِّين والمعلِّمين أن يَغرسوا في نفوس ناشئتهم إخلاصَ العلم والعمل لله، وابتغاء الأجر والثواب من الله، ثم حصل بعد ذلك مدْحٌ وثناء من الناس، فذلك فضْلٌ من الله ونعمة والحمد لله.
قال ابن رجب: فأمَّا إذا عَمِل العمل لله خالصًا، ثم ألْقَى الله له الثناء الحسَن في قلوب المؤمنين بذلك، ففَرِح بفَضْل الله ورحمته، واستبشَر بذلك، لَم يضرَّه ذلك، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذرٍّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه سُئِل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير، يَحمده الناس عليه، فقال: ((تلك عاجل بُشرى المؤمن))؛ أخرجه مسلم[3].
ومدار ذلك كله على النيَّة، والنيَّة محلُّها الصدور، والله - سبحانه وتعالى - لا تَخفى عليه خافية؛ ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 29].
فمَن كانت نيَّته لله خالصة فليُبشر بقَبول عمله، وأجْرٍ من الله ومثوبة؛ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سَمِعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوَى، فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهِجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته لدنيا يُصيبها، أو امرأة يَنكحها، فهجرته إلى ما هاجَر إليه))[4].
الخلاصة:
1- على المعلم أن يَغرس في نفوس طلابه حقيقة الإخلاص.
2- وعلى المعلم استصحاب تلك الحقيقة في بدايات الأعمال، والتذكير بها دائمًا.
2- صِدق المعلم:
إنَّ الصدق تاجٌ على رأس المعلم، إذا فقَده فقَد ثقة الناس بعِلمه، وبما يُمليه عليهم من معلومات؛ لأن الطالب في الغالب يتقبَّل من مُعلمه كلَّ ما يقوله، فإذا بانَ للطلاب كذبُ معلِّمهم في بعض الأمور، فإن ذلك ينعكس عليه مباشرة، ويؤدي إلى سقوطه من أعين طلابه.
والصدق مَنجاة للعبد في الدنيا والآخرة، وقد أثنَى الله على الصادقين، ورغَّب المؤمنين أن يكونوا من أهله بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].
وأرشَد المعلم الأوَّل إلى أنَّ الصِّدق يهدي إلى الجنة بقوله: ((إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليَصدق ويتحرَّى الصدق؛ حتى يُكتب عند الله صِدِّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليَكذب ويتحرَّى الكذب؛ حتى يُكتب عند الله كذَّابًا))[5].
وعند تأمُّل السيرة النبويَّة، نجد أن نبيَّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُسمَّى بالصادق الأمين، ولَم يَعهد منه كفار مكة كذبة واحدة، ولَمَّا بُعِث وظهَر أمرُه، عاداه سادات قريش وأعيانُهم، لا لكذبه عليهم، ولكن استكبارًا وتجبُّرًا، وخوفًا من سقوط هيبتهم وجاههم ومقامهم بين القبائل، وقد صرَّح بحقيقة ذلك بعض أعيانهم، ولقد كان لاتِّصافه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالصدق أثرٌ كبير في دخول كثيرٍ من الناس في دين الله، ورَحِم الله ذلك الصحابي الذي عندما رأى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأول وهلة، قال: "لَمَّا رأيتُ وجهه، عرَفت أن وجهه ليس بوجه كذَّاب"[6].
صِدْق المعلم يدعو المتعلِّم إلى الثقة به وبما يقول، ويُكسبه احترام المعلمين، ويرفع من شأنه في عمله، ويتمثَّل صِدق المعلم في مستلزمات المسؤوليَّة المُلقاة على عاتقه، والتي منها نقل المعرفة بما فيها من حقائق ومعلومات للأجيال، فإن لَم يكن المعلِّم متحليًا بالصدق، فإنه سينقل لهم عِلمًا ناقصًا ومَبتورًا، وحقائق ومعلومات مغايرة للصورة التي يجب أن ينقلَها، وإذا تعوَّد التلميذ على قَبول هذا السلوك السيِّئ من المعلم، فإنه رُبَّما يَستحسن هذا العمل؛ حتى يُصبح ملازمًا له، وهو أمرٌ خطير على المجتمع.
وإليك أيها المعلم مثالاً يُبَيِّن أثَرَ الكذب على الطلاب؛ يقول الشيخ محمد جميل زينو: "حدَث أن سأل أحد الطلاب معلِّمَه مُستنكرًا تدخين أحد المعلمين، فأجاب المعلم مدافعًا عن زميله، بأنَّ سبب تدخينه هو نصيحة الطبيب له، وحين خرَج التلميذ من الصف، قال: إنَّ المعلم يكذب علينا".
قال محمد جميل: "وحبَّذا لو صَدق المعلم في إجابته، وبيَّن خطأ زميله بأنَّ التدخين حرام؛ لأنه مُضِرٌّ بالجسم، مؤذٍ للجار، مُتلف للمال، فلو فعَل ذلك لكَسَب ثقة الطلاب وحبَّهم، ويستطيع أن يقول هذا المعلم إلى طلابه: إنَّ هذا المعلم فردٌ من الناس، تجري عليه الأعراض البشريَّة، فهو يُصيب ويُخطئ".
الخلاصة:
1- الصدق نجاة للمعلم في الدنيا والآخرة.
2- الكذب على الطلاب عائق عن التلقي وفاقد للثقة.
3- الكذب أثره يتعدَّى إلى المجتمع، ولا يَقتصر على مُنتحله.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2 - 3]؛ أي: لِمَ تقولون الخير، وتَحثون عليه، ورُبَّما تمدَّحْتُم به، وأنتم لا تفعلونه، وتَنهون عن الشر، ورُبَّما نَزَّهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوِّثون متَّصفون به، فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المَقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل؟
ولهذا ينبغي للآمِر بالخير أن يكون أوَّل الناس مُبادرةً إليه، والناهي عن الشر أن يكون أبعدَ الناس عنه؛ قال تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، وقال شُعيب - عليه السلام -: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ [هود: 88][7].
ورسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يأمر الناس بالخير، وهو أوَّل مَن يأتيه، وكان يَنهاهم عن الشر، وهو أوَّل مَن يَجتنبه ويَبتعد عنه، وهذا من كمال خُلُقه - عليه الصلاة والسلام - ولا عجَبَ، فقد كان خُلقه القرآن، ومطابقة القولِ العملَ أسرعُ في الاستجابة من مجرَّد القول بمفرده، يتبيَّن لنا ذلك من خلال عرْض هذا الحدث الذي وقَع للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسلمين معه في قصة الحُديبية، فعندما صالَح المشركون المسلمين على شروط معيَّنة، ومنها: أن يرجِعَ المسلمون من عامهم هذا عن مكة، ويَحجوا في عامهم المُقبل؛ قال ابن القَيِّم:
"فلمَّا فرَغ من قضيَّة الكتاب، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قوموا فانْحَروا، ثم احْلِقوا))، فوالله ما قام منهم رجل واحدٌ، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلمَّا لَم يَقُم منهم أحد، دخَل على أُمِّ سَلَمة، فذكَر لها ما لَقِي منه الناس، فقالت أُمُّ سَلَمة: يا رسول الله، أتحبُّ ذلك؟ اخرُج، ثم لا تُكَلِّم أحدًا منهم كلمة؛ حتى تَنحر بدنك، وتدعو حالِقك، فيَحلقك، فقام، فخرَج، فلم يُكَلِّم أحدًا منهم، حتى فعَل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالِقه فحلَقه، فلمَّا رأى الناس ذلك، قاموا فنَحروا، وجَعَل بعضهم يحلق بعضًا".
لا ينبغي لأحدٍ أن يتأخَّر عن امتثال أمر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - البتَّةَ، وقد تكلَّم ابن القيِّم في "زاد المعاد" على سبب تأخُّر الصحابة - رضوان الله عليهم - عن امتثال أمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حادثة الحُديبية، فراجِعه إن شِئْتَ؛ ففيه فوائدُ.
وهنا يتَّضح لنا جليًّا كيف أنَّ الصحابة تأخَّروا عن تنفيذ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولكن لَمَّا رأوا أنه بادَر إلى ذلك قبْلهم، تَبِعوه، ولَم يتخلَّف منهم أحدٌ.
والمعلم هو أحوج الناس إلى التزام ذلك المنهج في واقع حياته؛ لأنه قدوة يُحتذى، وطلابه يأخذون عنه الأخلاق والأدب والعلم، ولعَمْر الله، أيُّ فائدة ترجى من معلم يَنقض قولَه عملُه؟!
ثم إنَّ التناقض الذي يشاهده الطالب من قِبَل معلِّمه يوقِعه في حَيْرة عظيمة، وكأني بذلك الطالب المحتار وهو يسأل نفسه: لقد احتَرت في أمري، ماذا أفعَل؟ هل أُصدِّق قوله، أم فِعْله الذي يناقض قوله؟ فهو يقول لنا: الكذب عادة سيِّئة مذمومة، وعاقِبتها إلى الخسران، ثم نَسمعه بعد ذلك مرارًا يكذب علينا! من أجْل ذلك كان النهي الشديد في قوله تعالى: ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 3].
فالواجب على المربِّين والمعلِّمين أن يتَّقوا الله في فَلذات الأكباد، فهم أمانة في أعناقهم، فليَحرصوا على تعليمهم ما ينفعهم، ومطابقة أقوالهم لأعمالهم؛ لأنَّ في ذلك ترسيخًا للعلم الذي تعلَّموه من معلِّميهم ومربِّيهم.
يُخبرني طالب في إحدى المدارس المتوسطة أنَّ لديهم مدرسًا لمادة الدين، وهو يتَّصف بثلاث خصال مذمومة:
الأولى: حليق، والثانية: مُسبل، والثالثة: يتعاطى الدُّخَان، قلت: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، أيُّ علمٍ يؤخَذ عن هذا؟!
قال الغزالي: "أن يكونَ المعلم عاملاً بعِلمه، فلا يُكذِّب قوله فعله؛ لأن العلم يُدرك بالبصائر، والعمل يُدرك بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر، فإذا خالَف العمل العلمَ، منَع الرشدَ، وكلُّ مَن تناوَل شيئًا وقال للناس: لا تتناوَلوه، فإنه سُمٌّ مُهلك، سَخِر الناس به، واتَّهموه، وزادَ حرصُهم على ما نُهوا عنه، فيقولون: لولا أنه أطيبُ الأشياء وألذُّها، لَما كان يستأثر به.
ومثَلُ المعلِّم المُرشد من المسترشدين، مَثَلُ النقش من الطين، والظل من العود، فكيف ينتقش الطين بما لا نقشَ فيه، ومتى استوى الظلُّ والعود أعوج[8].
قال أبو الأسود الدؤلي[9]:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ
هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
وَنَرَاكَ تُلْقِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا
صِفَةً وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ
لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السَّقَامِ وَذِي الضَّنَا
كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا
فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ تُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى
بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
|
فالحالة الذميمة التي يتحلَّى بها مَن خالَف قوله عمله، وكفى بقوله تعالى: ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 3]، فإنه فيه عِظة وعِبرة لِمَن عقَل.
الخلاصة:
• إنَّ مخالفة القول للعمل تُوقِع الطالب في حَيْرة، وتَجعله لا يستقرُّ على حال.
• عِظَم المهمَّة المُلقاة على المعلِّمين والمربِّين.
3- العدل والمساواة:
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وقال تعالى: ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ [الشورى: 15]،
وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الأنعام: 152].
ففي الآية الأولى يأمر الله بالعدل ويوجِبه على العباد، فالعدلُ الذي أمَر الله به يشمل العدل في حقِّه، وفي حقِّ عبادة، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كلُّ والٍ ما عليه تحت ولايته؛ سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، أو ولاية القضاء، أو نوَّاب الخليفة، أو نوَّاب القاضي[10].
وقِس على ذلك الولاية التي تكون للمعلم على تلميذه، فإن له ولاية على طلابه بحسبها، وفي الآية الثانية أمَر الله رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأن يَعدل بين أهل الكتاب، وألاَّ تكون هذه العداوة مانعة من العدل في الأحكام، وكذلك الآية الثالثة تحثُّ على إقامة العدل مع الأعداء، ألا ترى إلى قوله: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ﴾ [المائدة: 8]؛ أي: لا يَحملنَّكم بُغضكم لهم على ألاَّ تعدلوا، ثم أخبَر تعالى في ختام الآية أن تَحقيق العدل وإقامة القِسط - ولو كان مع العدو - فإنه سببٌ في كمال التقوى، وفي قوله تعالى: ﴿ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]؛ أي: كلما حرَصتم على العدل واجْتَهَدتم في العمل به، كان ذلك أقربَ لتقوى قلوبكم، فإن تَمَّ العدل، كَمُلت التقوى، وفي الآية الرابعة أمَر الله - سبحانه - بالعدل مع القريب والبعيد؛ قال ابن كثير: "وقوله: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الأنعام: 152]، كقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135].
وكذا التي تُشبهها في سورة النساء، يأمر الله تعالى بالعدل في الفِعال والمَقال على القريب والبعيد، والله تعالى يأمر بالعدل لكلِّ أحد في كلِّ وقتٍ وفي كلِّ حال"[11].
فمما سبَق يَتبيَّن أنَّ القيام بالقسط والعدل بين الناس شأنُه عظيم؛ ولذلك جاءَت الآيات في بيان أمره والتعظيم من شأنه، ورسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَضرب أروعَ الأمثلة في تحقيقه للعدل بين أفراد أُمَّته؛ انظر الحديث الذي تَرويه أمُّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إنَّ قريش أهمَّهم شأن المرأة المخزوميَّة التي سرَقت، فقالوا: ومَن يُكلِّم فيها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فقالوا: ومَن يَجترئ عليه إلاَّ أسامة بن زيد حِبِّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكلَّمه أسامة، فقال: رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتشفَع في حدٍّ من حدود الله؟))، ثم قام فاختَطَب، ثم قال: ((إنَّما أهلَك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرَق فيهم الشريف ترَكوه، وإذا سرَق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد، وايْمُ والله، لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرَقت، لقطَعت يدها))[12].
الله أكبر، انظر إلى من بلَغ الذِّروة في تحقيق العدالة: ((لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرَقت، لقطَعَت يدها))، وحاشاها أن تَفعلَ ذلك.
عن النعمان بن بشير قال: "تصدَّق عليّ أبي ببعض ماله، فقالت أُمي عَمرة بنت رَواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فانطلَق أبي إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليُشهده على صدَقتي، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفعَلت هذا بولدكَ كلِّهم؟))، قال: لا، قال: ((اتَّقوا الله واعْدِلوا في أولادكم))، فرجَع أبي، فردَّ تلك الصدقة"[13]، وجاء في رواية أخرى: ((فلا تُشهدني إذًا؛ فإني لا أَشهد على جَوْر))[14].
والمعلمون يتعرَّضون لمواقفَ كثيرة من قِبَل طلابهم؛ سواء في توزيع المهام والواجبات - إن كانت هناك أعمال تحتاج إلى مشاركات جماعيَّة - أو تفضيل بعضهم دون بعض ونحو ذلك، ويتأكَّد العدل عند وَضْع العلامات ورَصْد الدرجات، فلا مجال لمُحاباة أحد، أو تفضيل أحد على أحدٍ؛ سواء لقرابته أو معرفته، أو لأيِّ أمرٍ كان، فإن هذا من الظلم الذي لا يرضاه الله، وصاحبه مُتوعَّد بالعقوبة.
إن اختلال هذا الميزان عند المعلم - أي وجود التمييز بين الطلاب - كفيل بأن يَخلق التوتُّر وعدم الانسجام، والعداوة والبغضاء بين الطلاب، وكفيل بأن يجعلَ هناك هُوَّة واسعة بين المعلم وطلابه الآخرين - الذين بين طلابه - لكيلا يَشيع الإخاء والمحبَّة بينهم.
أيها المعلم، إن كانت لك علاقة قُربى أو صداقة مع أحد طلابك، فلتَكن بعيدة عن مسمع ومرأى الطلاب الآخرين.
رُوي عن مجاهد قال: "المعلم إذا لَم يَعدل، كُتِب من الظَّلَمَة".
ويُروى عن الحسن البصري قوله: "إذا قُوطِع المعلم على الأجر، فلم يَعدل بينهم - أي الطلاب - كُتِب من الظَّلَمَة".
الخلاصة:
• عِظَم شأن العدل؛ حيث أمرَ الله به وأوجَبه مع القريب والبعيد، ومع العدو أيضًا.
• أهميَّة تحقيق العدل والمساواة بين الطلاب؛ لِما فيه من إشاعة المحبَّة والمودَّة بينهم.
• يتأكَّد العدل ويتعيَّن، عند وَضْع العلامات ورَصْد الدرجات.
• الحرص على إبقاء علاقات القَرابة أو الصَّداقة بعيدة عن مسمع ومرأى الطلاب الآخرين.
4- التحلِّي بالأخلاق الفاضلة والحميدة:
لا شكَّ أنَّ الكلمة الطيِّبة والعبارة الحَسَنة، تفعل أثرها في النفوس، وتؤلِّف القلوب، وتُذهب الضغائن والأحقاد من الصدور، وكذلك التعبيرات التي تَظهر على وجه المعلم، تُحدث مردودًا إيجابيًّا أو سلبيًّا لدى الطالب؛ وذلك لأن انبساط الوجه وطلاقته مما تأْنَس به النفس وتَرتاح إليه، وأما عُبوس الوجه وتَقطيب الحاجبين، فهو مما تَنفر منه النفس وتُنكره.
والرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أطيَبَ الناس رُوحًا ونفسًا، وكان أعظمهم خُلقًا؛ ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
ولَم يكن فظًّا غليظًا حادَّ الطباع، بل كان سهلاً سمحًا ليِّنًا، رؤوفًا بأُمَّته؛ ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
وقال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].
عن عطاء بن يسار قال: "لَقِيت عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فقلت: أخْبِرني عن صفة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في التوراة، فقال: أجَل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45].
"وحِرزًا للأُمِّيين، أنت عبدي ورسولي، سمَّيتُك المتوكِّل، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا صخَّاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيِّئة، ولكن يعفو ويَصفح، ولن يَقبضه الله؛ حتى يُقيم به المِلَّة العَوْجاء، بأن يقولوا: "لا إله إلا الله"، ويَفتح به أعيُنًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلفًا"[15].
تِلْكُم كانت بعض صفات النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خُلق عظيم، وبالمؤمنين رؤوف رحيم، ليس بفظٍّ ولا غليظ القلب... إلخ.
وتلك صفات كانت من لوازم الدعوة؛ إذ إن المدعوين يحتاجون إلى مَن يَرفق بهم، ويُعلِّمهم أمور دينهم؛ ففيهم الجاهل، وفيهم الصغير، وفيهم الكبير، وكلُّ أولئك يَلزمهم رِفقٌ وخُلق وحِلم، وأَناة ولُطف وحُسن تصرُّف، وإلاَّ انفضُّوا وغَضِبوا، ولَم يتَّبعوا الهدى ممن جاء به، ولقد ضرَب رسولنا الكريم - بأبي هو وأمي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أروعَ الأمثلة في حُسن الخُلق، كيف لا، وربُّنا - عزَّ وجلَّ - هو الذي امتدَحَه بذلك؛ ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]؟!
وكانت عائشة أمُّ المؤمنين - رضي الله عنها - تقول: "كان خُلقه القرآن"[16].
وتعال معنا لنرى ذلك الموقف الذي يرويه أنس بن مالك يقول: "كنتُ أمشي مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعليه بُرد نَجراني غليظ الحاشية، فأدرَكه أعرابي، فجبَذه بردائه جبْذَةً شديدة، حتى نظرتُ إلى صفحة عاتق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد أثَّرت بها حاشية البُرد من شِدَّة جَبْذته، قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفتَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم ضَحِك، ثم أمَر له بعطاء"[17].
ما أعظمَ ذلك الخُلقَ الرفيع الذي امتازَ به النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ كان في مقدوره أن يؤدِّب ذلك الأعرابي على صنيعه، ولكن لَم تكن تلك من شِيَم ولا أخلاق المعلِّم الأول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كيف يفعل ذلك وهو الذي قال:
((مَن كظَم غيظًا وهو يَقدر أن يُنفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة؛ حتى يُخيِّره في أي الحور العين شاء))[18].
والمربون والمعلمون حَرِيٌّ بهم أن يترسَّموا خُطى المعلم الأول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في التحلي بالأخلاق الفاضلة والأدب الرفيع، وهي من أنجع الوسائل في التعليم والتربية؛ حيث إنَّ الطالب في الغالب يتأثَّر ويَتخلَّق بأخلاق معلمه، ويتقبَّل منه أكثر من غيره، فإذا كان المعلم يتحلَّى بأخلاق حميدة، أثَّر ذلك على طلابه إيجابًا، وعَمِلت في نفوسهم ما لَم تَعمله عشرات النصائح والدروس، ومن هنا نفهم سرَّ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من شيء في الميزان أثقلُ من حُسن الخُلق))[19]، وقوله: ((إنَّ الرجل ليُدرك بحُسن خُلقه درجات قائم الليل وصائم النهار))[20]؛ لأنَّ حُسن الخلق سجيَّة تَعمل عمل السحر في أَسْر القلوب، واستمالة النفوس، وإشاعة المحبَّة بين أفراد المجتمع، والمعلمون هم أَوْلَى الناس بذلك.
الخلاصة:
• الأخلاق صفة حميدة يَنبغي للمعلم أن يتحلَّى بها، ويحثُّ طلابه على التخلُّق بها.
• الكلمة الطيِّبة والبشاشة وطلاقة الوجه من الأسباب التي تُزيل الحاجز النفسي بين المعلم وتلميذه.
• الحِلم والأناة وانشراح صدر المربِّي في مقابل جهل الطالب.
5- تواضُع المعلم:
التواضُع خُلق حميد، يُضفي على صاحبة إجلالاً ومَهابة، ومَن ظنَّ أنَّ التواضع خُلق مرذول، ينبغي تجنُّبه وتَرْك التخلُّق به، فقد أخطأ وأبعَد النُّجعة، وحسبك بإمام الأتْقياء مثلاً - صلَّى الله عليه وسلَّم[21].
والتواضُع وإن كان من لوازمه الذُّل، فهو إن كان في جانب الله فما ألذه من ذُلٍّ وما أطيَبه؛ لأن العبوديَّة لا تتحقَّق ولا تَكمُل إلاَّ بالذُّل لله والانكسار بين يديه، وأمَّا الذلُّ الذي يكون في جانب المخلوقين، فهو في حقِّ المؤمنين خاصة؛ قال تعالى: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54].
فهم للمؤمنين أذلَّة؛ من محبَّتهم لهم، ونُصحهم لهم، ولِينهم ورِفْقهم، ورَأْفَتهم ورحمتهم بهم، وسهولة جانبهم، وقُرب الشيء الذي يطلب منهم[22].
والمعلم في أمَس الحاجة إلى التخلُّق بهذا الخلق العظيم؛ لِما فيه من تحقيق الاقتداء بسيِّد المرسلين، ولِما فيه من نَفْعٍ عظيم للمتعلمين.
"إذا كان الإنسان المسلم يحتاج إلى التواضع للنجاح في علاقته مع الله ثم مع المجتمع، فإن حاجة المعلم إلى التواضع أشدُّ وأقوى؛ لأنَّ عمله العلمي والتعليمي والتوجيهي، يقتضي الاتصال بالمتعلمين والقُرب منهم؛ حتى لا يجدوا حرَجًا في سؤاله ومناقشته، والبوح له بما في نفوسهم؛ لأنَّ النفوس لا تَستريح لمُتكبرٍ أو مُتجبِّر، أو مُغتر بعمله"[23].
وإليك بعضَ الأمثلة من تواضُعه - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله أوحى إليّ أن تواضَعوا؛ حتى لا يَفخر أحد على أحدٍ، ولا يَبغي أحدٌ على أحد))[24].
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((إنَّ كانت الأَمَة من إماء المدينة، لتأخُذ بيد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتَنطلق به حيث شاءَت))[25].
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما بعَث الله نبيًّا إلا رعَى الغنم))، قال أصحابه: وأنتَ؟ فقال: ((نعم كنتُ أرعاها على قراريط لأهل مكة))[26].
وعنه عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لو دُعيت إلى كراع أو ذراعٍ، لأَجَبت، ولو أُهْدي إليّ ذراعٌ أو كراع، لقَبِلت))[27].
وعن قيس بن مسعود أنَّ رجلاً كلَّم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم الفتح، فأخَذته الرَّعدة، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هوِّن عليك؛ فإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد))[28].
ويبلغ التواضع ذِروته عند فتح مكة؛ يقول ابن إسحاق: حدَّثني عبدالله بن أبي بكر أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليَضع رأسه تواضُعًا لله حين رأى ما أكرَمه الله به من الفتح، حتى إن عُثْنُونه ليَكاد يَمسُّ واسطة الرحل، وقال الحافظ البيهقي عن أنس قال: دخَل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم الفتح وذَقنه على راحلته مُتخشعًا.
أرأيتم تواضُعًا أعظمَ من ذلك؟ قائد يَظفر بخصومه الذين أخرَجوه من بلده، وقاتَلوه، وسبُّوه، ثم يظفر بهم، ويدخل مَعْقلهم دخول الفاتحين، ومع ذلك يُطَأطئ رأسه عند انتصاره على عدوِّه؛ تواضعًا لله وشكرًا، فما أعظَمه من قائد! وما أجلَّه من مُربٍّ!
والتواضع يضاد التكبُّر، وهو خَصلة ذميمة لا تعود على صاحبها بالنفع، ومن آثار التكبُّر الذي يُصيب بعض المعلمين في المجتمعات الإسلاميَّة:
• جحوده للحق وعدم الخضوع له.
• الغرور بما لَدَيه من علمٍ مع أنه قليل.
• تَرْك طلبِ العلم؛ لظنِّه أنه قد عَلِم وفَهِم كلَّ شيء.
ثم إنَّ المعلم المتكبِّر لا يستطيع أن يصلَ إلى أهداف التعليم، ولا يُمكِّنه تكبُّره من أن يعرفَ ما تحقَّق منها؛ لأنه بعيد عن مخالطة طلابه، والدُّنو منهم؛ حتى يستطيع أن يعرف مشكلاتهم، وما يعوق بلوغهم الأهدافَ التربوية المرسومة، وما يحتاجه من مراجعة للطريقة وترتيب المعلومات وتيسيرها، وما إلى ذلك، كما أنَّ الطلاب لا يرتاحون إلى المعلم المتكبِّر المُتغطرس، فلا يصدقونه مشاعرهم وأحاسيسهم، وما يواجهونه من صعوبات؛ مما يجعل الفائدة التي يحصلون عليها من مثل هذا المعلم قليلة جدًّا.
الخلاصة:
• أثر التواضُع ليس قصرًا على المعلم، بل يتعدَّاه إلى الطلاب ويؤثِّر فيهم إيجابًا.
• التواضع سبب في إزالة الحواجز بين المعلِّم وتلميذه.
• التكبُّر سبب لنفور الطلاب من معلِّمهم، والإعراض عن تلقي العلم منه.
• بمقدار ما يكون الطالب قريبًا من معلِّمه، يتحصَّل الطالب على العلم بشكل أفضلَ، والتواضع يحقِّقه.
6- شجاعة المعلم:
قد يَستغرب الكثيرون هذا العنوان، وقد يقول قائل: ما دَخْل الشجاعة بالتعليم، فضلاً عن المعلم؟! نقول: الشجاعة التي نرمي إليها هي الشجاعة الأدبية كما يحلو للكثيرين أن يُسميها بهذا الاسم، ولا مُشاحَّة في الاصطلاح، فأمَّا الشجاعة التي يَذهب الذِّهن إليها عندما نسمع هذه الكلمة لأوَّل وَهلة، فقد كان نبيُّكم - صلوات الله وسلامه عليه - أشجعَ الناس، حتى إنَّ بعض الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يحتمون ويَلوذون به إذا اشتدَّت رحى الحرب لشجاعته - عليه الصلاة والسلام، وأمَّا الشجاعة المقصودة هنا، فهي شجاعة الكلمة، والاعتراف بالخطأ والقصور البشري، وهذا لا يكاد يَسلم منه أحد، أمَّا التدليس والجُبن والمراوغة، فليست أمرًا محمودًا، ويَحسن بالمعلم أن ينأَى عنه، ولعلَّ الصورة تتَّضح بعد تأمُّل الأمثلة.
في مسند العشرة المُبشَّرين بالجنة عن علي - رضي الله عنه - قال: "كنَّا إذا احمرَّ البأس ولَقِي القوم القومَ، اتَّقينا برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فما يكون منَّا أحدٌ أدنى من القوم منه"[29].
عن أبي رافع بن خديج، قال: قَدِم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينة، وهم يَأْبُرون النخل، يقولون: يُلقِّحون النخل، فقال: ((ما تصنعون؟))، قالوا: كنَّا نَصنعه، قال: ((لعلكم لو لَم تَفعلوا، كان خيرًا لكم))، فتَرَكوه، فنَفَضَت أو فنقَصَت، قال: فذكَروا ذلك له، فقال: ((إنما أنا بشر، إذا أمرتُكم بشيءٍ من دينكم، فخُذوا به، وإذا أمرتُكم بشيءٍ من رأيٍ، فإنما أنا بشرٌ))[30]، وفي بعض الروايات قال: ((أنتم أعلمُ بأمور دنياكم))[31].
من سياق الحديث يتَّضح لنا بشريَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنه يَخضع للأحوال التي تَعتري البشر من النسيان والخطأ وغير ذلك، أمَّا في مقام التشريع فلا يجوز عليه ذلك، نعم قد يحصل منه نسيان في مقام التشريع؛ لكي يشرع للأُمَّة؛ كما سلَّم من ركعتين في صلاة رباعيَّة، فلمَّا أُخبِر بذلك، قام وأتى بالباقي، وسجَد سجدتين للسهو، ومحل بَسْط ذلك في كتب الأصول، والحاصل أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيَّن أنه بشرٌ، وأنَّ رأيه في الأمور الدنيوية التي ليس فيها تشريع قد يُصيب وقد يخطئ؛ قال النووي: قوله: ((أنتم أعلم بأمور دنياكم))، قال العلماء: قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من رأيي - أي: في أمر الدنيا ومعايشها - لا على التشريع، فأمَّا ما قاله باجتهاده - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورآه شرعًا، يجب العمل به، وليس إبارُ النَّخل من هذا النوع، بل من النوع المذكور قبله"[32].
ولو أننا أعَدْنا النظر إلى سياق الحديث مرة أخرى، لوجَدنا أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حاوَل أن يجدَ لنفسه العذر عندما رأى هذا الرأي - وحاشَاه ذلك - بل اعترَف ببشريَّته، وأنَّ هذه الأحكام تجري على البشر، وتعالَوا بنا لننظر إلى صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لنرى كيف ترسَّموا خُطى نبيِّهم - عليه أفضل الصلاة والتسليم - فمن ذلك:
ما رواه مسروق قال: رَكِب عمر بن الخطاب منبر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم قال: "أيُّها الناس ما إكْثَاركم في صُدُق النساء، وقد كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك؟! ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة، لَم تَسبقوهم إليها، فلا أعرفنَّ ما زاد رجلٌ في صَداق امرأة على أربعمائة درهم"، قال: ثم نزل، فاعْتَرَضته امرأة من قريش، فقالت: يا أمير المؤمنين، نَهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم، قال: نعم، فقالت: أمَا سَمِعت الله يقول: ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا ﴾ [النساء: 20]، قال: فقال: اللهمَّ غفرًا، كلُّ الناس أفقهُ من عمر، ثم رجَع فرَكِب المنبر، فقال: أيُّها الناس، إني كنتُ نَهيتكم أن تَزيدوا النساء في صدقاتهنَّ على أربعمائة درهم، فمَن شاء أن يُعطي من ماله ما أحبَّ"[33].
عن محمد بن كعب القرظي، قال: سأل رجل عليًّا بن أبي طالب عن مسألة، فقال فيها، فقال الرجل: ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كذا كذا، فقال علي - رضي الله عنه -: أصبْتَ وأخطأتُ، وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم"[34].
الله أكبر، انظر إلى تلامذة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - يضربون أروع الأمثلة في الشجاعة والإنصاف، ولو كان على حساب النفس، وهذا والله ليَزيد المرء عزًّا ورِفعة، ولا ينقص من قدره شيئًا، ومَن ظنَّ غيرَ ذلك، فقد حاد عن جادة الصواب، والمعلم بحكم وظيفته وبشريَّته، معرَّض لمثْل هذه المواقف، فيا تُرى، ماذا يقول المعلم إذا أخطأ في مسألة ما وعارَضه فيها أحد طلابه، ثم بانَ له الصواب؟ هل يُبادر إلى شكر الطالب والاعتراف بالخطأ؟ أم أنه يُراوغ، ويَقلب الكلام بعضه على بعض؛ حتى يُبرهن لهم صحة قوله؟ أتركُ لك الجواب!
يقول ابن عبدالبر: "من بركة العلم وآدابه الإنصافُ فيه، ومَن لَم يُنصف، لَم يفهم، ولَم يَتَفهَّم"[35].
الخلاصة:
• اتِّصاف المعلم بالشجاعة مطلب لكلِّ مُعلِّم.
• الاعتراف بالخطأ ليس فيه تنقيص لصاحب الخطأ، بل هو رِفعة له، ودليل على شجاعته.
• الاعتراف بالخطأ معناه: إصلاح الخطأ، وعكسه الاستمرار عليه والعناد فيه.
7- مزاح المعلم مع تلاميذه:
من المعلوم أنَّ المواد العلميَّة تتميَّز بالجفاف في مادتها، وهي تَستلزم حضورًا عقليًّا وقلبيًّا، فتجد الطالب يشحذ حواسَّه كلَّها؛ لاستيعاب المادة العلمية المطروحة، ومهما يتميَّز به المعلم من حُسنٍ في الأداء، وجودة في الطرح، فإن عقل التلميذ له قدرة محدودة في استقبال المعلومات؛ ولذا كان حَرِيًّا بالمعلم أن يُدخل الطُّرفة بين ثنايا الدروس العلمية، لكي يطردَ السآمة والملل الذي قد يُخيِّم على أجواء الفصل من جرَّاء تتابُع عَرض المواد العلميَّة.
ومن فوائد بثِّ الطُّرفة بين ثنايا الدرس من حين لآخر: أنها تَطرد السآمة والمَلل، ومنها أنها تُريح الذِّهن قليلاً من عناء المتابعة الدقيقة للمعلم، ومنها أنها تُفيد المعلم أيضًا في أخْذ قسطٍ من الراحة، ومنها أنها تَشحذ الذهن، وتُعطيه جرعة جديدة لمواصلة استقبال المعلومات، ومنها أنها تُغيِّر جوَّ الفصل الذي خيَّم عليه الجفاف، إلى غير ذلك.
والمزاح بكسر الميم: الانبساط مع الغير من غير تنقيص أو تحقير له؛ يقول النووي: "اعْلَم أنَّ المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويُداوَم عليه؛ فإنه يُورث الضَّحك وقسوة القلب، ويَشغل عن ذِكر الله والفكر في مُهمَّات الدين، ويُؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقط المهابة والوقار، فأمَّا ما سَلِم من هذه الأمور، فهو المباح الذي كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفعله على النُّدرة؛ لمصلحة تطييب نفس المخاطب ومُؤانسته، وهو سُنة مستحبَّة، فاعْلَم هذا؛ فإنه مما يَعظم الاحتياج إليه"[36].
وقال الغزالي في الإحياء: "إنَّ قدَرت على ما قدَر عليه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه، وهو أن تَمزح ولا تقول إلاَّ حقًّا، ولا تؤذي قلبًا، ولا تُفرط فيه، وتَقتصر عليه أحيانًا على النُّدور - فلا حرَج عليك فيه، ولكن من الغلط العظيم أن يتَّخذ الإنسان المزاح حِرفة يواظب عليها، ويُفرط فيه، ثم يتمسَّك بفِعل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم"[37].
ولقد وردَت أخبار عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مُداعبته لأهله، ومزاحه مع أصحابه، وسوف نتخيَّر منها - إن شاء الله - ما يكفي ويشفي:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قالوا: يا رسول الله، إنَّك تُداعبنا، قال: ((نعم، غير أني لا أقول إلاَّ حقًّا))[38].
وعن أنس بن مالك أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، وكان يهدي إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - هَديَّة من البادية، فيُجهِّزه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا أراد أن يخرج، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ زاهرًا بادِيتُنا ونحن حاضِروه)).
وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يحبُّه، وكان رجلاً دميمًا، فأتاه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يَبيع متاعه، فاحتَضنه من خلفه وهو لا يُبصره، فقال: مَن هذا؟ أرسلني، فالْتَفَت، فعرَف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجعَل لا يأْلُو ما ألصَق ظهره بصدر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين عرَفه، فجعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن يشتري هذا العبد؟))، فقال: يا رسول الله، إذًا تَجدني كاسدًا، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لكن عند الله لستَ بكاسدٍ))، أو قال: ((أنت عند الله غالٍ))[39].
وعن أنس بن مالك أنَّ رجلاً استحمَل[40] رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((إني حامِلك على ولد ناقة))، فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وهل تلد الإبل إلاَّ النُّوق))[41].
الخلاصة:
• الأثر الإيجابي الذي يُحدثه المزاح في تلطيف جوِّ الدراسة، وقَطْع المَلل الذي يَعتري الطلاب.
• مُراعاة عدم الإكثار منه؛ كيلا يخرج الدرس عن مساره، وتضيع الفائدة المرجوَّة منه.
• الإكثار من المزاح يُزيل الهَيْبة والوَقار.
• المزاح لا يكون إلاَّ حقًّا؛ أي: صِدقًا.
• عدم إيذاء أو إهانة أحد التلاميذ بالمزاح.
8- الصبر واحتمال الغضب:
الصبر لغة بمعنى: المَنع والحَبس[42]، وهي منزلة رفيعة لا ينالها إلاَّ ذَوُو الهِمَم العالية والنفوس الزكيَّة، والغضب هو ثورة في النفس، يَفقد فيها الغاضب اتَّزانه، وتَنقلب الموازين عنده، فلا يكاد يُميِّز بين الحقِّ والباطل، وهي خَصلة غير محمودة، إلاَّ ما كان منها غضبًا لله، وهو ما كان يتَّصف به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنه لَم يكن يغضب لنفسه، ولَم يَنتصر لها قطُّ، إنما كان يغضب إذا انْتُهِكت حُرُمات الله.
ووجه تعلُّق ذلك بالتعليم: أنَّ المعلم يتعامل مع أفراد يختلفون في الطباع والأفكار؛ فمنهم الجيد، ومنهم الضعيف، هذا بالإضافة إلى انشغال المعلم بعمليات التحضير والتصحيح، والتدريس المتواصل أغلب فترات اليوم الدراسي، مع ما يَتْبع ذلك من تحمُّلٍ لمشاكل الطلاب المتكرِّرة، إلى غير ذلك من المهام المَنُوطة بالمعلم، فكل الأمور السالفة الذِّكر وغيرها، تَستلزم من المعلم صبرًا وتحمُّلاً، وهذا الصبر ليس سهلَ المنال، بل إنه يحتاج إلى طول ممارسة من المعلم؛ حتى يعتادَ ذلك ويأْلفه، وفقدان الصبر يوقِع المعلم في حرجٍ شديد، خصوصًا إذا كان ذلك أثناء ممارسته للتعليم، فإن المعلم يواجِه عقليات متفاوتة في الإدراك والتصور والاستجابة، إلى غير ذلك.
فقد يظل المعلم يُلقي درسه لمدة ساعة متواصلة، ثم يفاجَأ بقول أحد طلابه: إنه لَم يَفهم هذا الدرس كله، أو قد يتعرَّض المعلم إلى أسئلة تافهة، أو في غير محلِّها، أو قد يفاجَأ المعلم أثناء إلقائه بأنَّ أحدَ طلابه نائمٌ أو يَبتسم... إلخ.
بل إنَّ من أشدها وقعًا وأثرًا على المعلم، ما إذا تعرَّض المعلم لكلمة نابية من أحد طلابه، وليس ذلك بمستغرب؛ لاختلافهم في الطباع والإدراك، ونحو ذلك.
إن احتواء الغضب والسيطرة عليه علامة قوَّة للمعلم، وليست علامة ضَعف، خصوصًا إذا كان ذلك المعلم قادرًا على إنفاذ ما يريد؛ أخبَر بذلك الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يَملك نفسه عند الغضب))[43].
ويُجسِّد ذلك فِعْلُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقوله فإنه - بأبي وأمي - كان أملك الناس لغضبه.
عن أنس بن مالك قال: كنتُ أمشي مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عليه رِداء نَجراني غليظ، شديد الحاشية، فأدرَكه أعرابي، فجبَذه برِدائه جَبْذَةً شديدة، نظَرت إلى صفحة عُنق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد أثَّرت بها حاشية الرِّداء من شِدَّة جَبْذته، ثم قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتَفَت إليه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فضَحِك، ثم أَمَر له بعطاءٍ"[44].
علَّق النووي على هذا الحديث بقوله: "فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودَفْع السيئة بالحسنة"[45].
قلت: ولا شكَّ أنه مهما بلَغ من أمر الطالب ما بلَغ، فهو دون فِعل ذلك الأعرابي بكثير.
عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قسَم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قسمًا، فقال رجل: إنها لقسمة ما أُريدَ بها وجه الله، فأَتَيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسارَرْتُه، فغَضِب من ذلك غضبًا شديدًا، واحمرَّ وجهه؛ حتى تمنَّيتُ أني لَم أذكره له، قال: ثم قال: ((قد أوذي موسى بأكثر من هذا، فصَبَر))[46].
ولك أن تسأل عن أثر الغضب على المرء في جسمه، ولسانه، وأعضائه، وقلبه؛ يقول صاحب الإحياء: "ومن أثار هذا الغضب في الظاهر، تغيُّر اللون وشِدَّة الرَّعدة في الأطراف، وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام، واضطراب الحركة والكلام؛ حتى يَظهر الزَّبد على الأشداق، وتحمرَّ الأحداق، وتَنقلب المناخر، وتستحيل الخِلقة، ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قُبْحَ صورته، لسَكن غضبه حياءً من قُبح صورته، واستحالة خِلقته، وأمَّا أثرُه في اللسان، فانطلاقه بالشَّتم والفُحش من الكلام الذي يَستحيي منه ذو العقل ويستحيي منه قائله عند فتور الغضب، وذلك مع تخبُّط النظم واضطراب اللفظ، وأما أثرُه على الأعضاء، فالضرب والتهجُّم، والتمزيق والقتل والجرح عند التمكُّن، من غير مبالاة، وأمَّا أثرُه في القلب مع المغضوب عليه، فالحقد والحسد، وإضمار السوء والشَّماتة بالمُساءَات، والحزن بالسرور"[47].
وعلاج ذلك يكون بالعلاج الربَّاني والنبوي؛ أمَّا العلاج الربَّاني، فقد أثنَى الله - سبحانه وتعالى - على الذين يكظمون غيظَهم، وليس ذلك فقط، بل مع العفو عن الناس؛ قالتعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].
وأمَّا العلاج النبوي، فقد عالَج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الغضب بعِدَّة طرق؛ منها[48]:
• أن يقول الغاضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
• أن يسكت الغاضب ولا يتكلَّم؛ حتى لا يتمادى به الغضب، فيقع في المحذور.
• إذا كان الغاضب قائمًا فليجلس، وإن لَم يَنطفِئ غضبه، فليَضطجع.
• أن يتوضَّأ الغاضب وضوءَه للصلاة؛ فإن الغضب يُطفَأ بالماء.
قال علي بن ثابت:
الْعَقْلُ آفَتُهُ الإِعْجَابُ وَالْغَضَبُ
وَالْمَالُ آفَتُهُ التَّبْذِيرُ وَالنَّهَبُ
|
وقال أبو العتاهية:
وَلَمْ أَرَ فِي الأَعْدَاءِ حِينَ خَبَرْتُهُمْ
عَدُوًّا لِعَقْلِ الْمَرْءِ أَعْدَى مِنَ الْغَضَبْ
|
الخلاصة:
• الصبر عامل قوي في نجاح المعلم.
• الغضب ثورة في النفس، واختلال في الموازين، وضَعف في التمييز، وعواقبه وخيمة.
• براعة المعلم تَكْمن في كيفيَّة امتصاص غضبه عند حدوثه، والسيطرة على أعصابه.
• التدرُّج وطول المِران، يُكسبان المعلم قوَّة ومَنعة.
• المبادَرة بعلاج الغضب عند حدوثه، وأفضله على الإطلاق العلاج الربَّاني النبوي.
9- نبذ الكلام الفاحش البذيء:
الفُحش في القول، والسِّباب، والسخرية من الآخرين - خصال ممقوتة، تَلفظها النفوس، وتشمئزُّ منها الطِّباع، وتنأى عنها النفوس الكريمة، والمعلم يُفترض فيه أنه قدوة يُقتفى أثره، ويُسلك سبيله، فإن اتَّصف المعلم ببعض هذه الخصال، فهي نقيصة وأيُّ نقيصة! وإن اجتمَعَت في معلِّم، فهي طامَّة كبرى؛ لأن الطالب يتأثَّر بمعلمه سلبًا وإيجابًا، فإذا كان هذا حال معلِّمه، فماذا نرجو من الطالب؟!
وفائدة القول أنَّ اللعن والفحش والسخرية، يَستلزم تنقيص الآخرين، ويَقتل فيهم رُوحهم المعنوية، ويُفسد عليهم فِطَرهم وألْسِنتهم، ويُوغر صدور بعضهم على بعض، إلى غير ذلك.
هذا إلى جانب - وهو الأهم - أنها أمورٌ مرفوضة شرعًا، وصاحبها متوعَّد بالعقوبة.
بيان ذلك:
أ- السخرية: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، وقوله: ﴿ لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾ بكلِّ كلام وقولٍ وفِعل دالٍّ على إعجاب الساخر بنفسه، وعسى أن يكون المسخور به خيرًا من الساخر، وهو الغالب والواقع، فإن السخرية لا تقع إلاَّ من قلب مُمتلئ من مساوئ الأخلاق، مُتَحَلٍّ بكلِّ خُلق ذميم، مُتَخَلٍّ من كلِّ خُلق كريم؛ ولهذا قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بحسب امرئ من الشر أن يَحقر أخاه المسلم))[49].
ب - اللعن والسباب:
عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((سِباب المسلم فسوق، وقِتاله كُفر))[50]، وفي هذا الحديث تعظيم حقِّ المسلم والحُكم على مَن سبَّه بغير حقٍّ بالفِسق.
عن أنس بن مالك قال: "لَم يكن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فاحشًا ولا لعَّانًا ولا سبَّابًا، كان يقول لأحدنا عند المَعتِبة: ((ما له تَرِب جبينه))"[51].
عن أبي الدَّرداء قال: قال النبي: ((إنَّ اللعَّانين لا يكونون شُهداءَ ولا شُفعاءَ يوم القيامة))[52].
وحَسْبُك بهذا؛ ففيه غُنيَة عن كثيرٍ من الآثار التي ورَدت في هذا الباب، وفيه كفاية لِمَن أعطاه الله فَهمًا وعقلاً.
ج- الفُحش البذيء:
عن عبدالله بن مسعود عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ليس المؤمن بالطَّعَّان، ولا اللعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء))[53].
الخلاصة:
• هذه الخِصال الذميمة تتعدَّى آثارها إلى الغير، فتؤثِّر فيه.
• السخرية فيها تنقيص للمسخور به، وازدراء له، وهذا جالب للعداوة والبغضاء، فكيف إن كان هذا دَأْب المعلم؟!
• اللعن خُلق ذميم، وصاحبه مُتوعَّد بالعقوبة إن لَم يَتُب.
• القول الفاحش يُنبئ عن سوء الطَّويَّة وفساد النيَّة.
• الطَّعَّان: الوقَّاع في أعراض الناس بالذَّمِّ والغيبة.
• اللعَّان: اللعن خلاف النصر؛ أي: الملعون لا يَنصره الله، فيَطرده ويُبعده، فلَعْن المؤمن؛ أي: طَرْده وإبعاده عن الجنة في أوَّل أمره.
• والفاحش: هو الذي يتسرَّع لسانه بالفُحش ولا يريد أن يَنطق به، قال: "وكذا الفُحش بالفعال، قال الحافظ: هو الزيادة على الحد في الكلام السيئ، فمن تعدَّى بزيادة القبح في القول والعمل، فهو فاحش.
• البذيء: قال الجوهري: هو التكلُّم بكلام لا ينفع، وقال القاري: هو الذي لا حياء له"[54].
10- استشارة المعلم لغيره:
تواجه المعلم مسائل مُشكِلة، وقضايا معقَّدة، يحتار معها المعلم، ولا يجد لها حلاًّ أو مخرجًا، فقد يصعب على المعلم في بعض الأحيان فَهْمُ مسألة ما، أو قد يُطرح عليه سؤال من أحد طلابه، ولا يجد له حلاًّ أو تفسيرًا، ومن جهة أخرى، قد يجد المعلم نفسه أمام مشكلة عند أحد طلابه أو بعضهم، وتحتاج من المعلم أن يَفصل فيها، ويحلَّ إشكالها.
وهنا قد يَسلك المعلم عدَّة مسالك، منها: أن يَجتهد في إيجاد حلٍّ لها، أو يَعتذر عنها، وهذا حسن بالنسبة إلى المعلم؛ لأنه لَم يَخض فيها بغير علمٍ، وإن كان ذلك مشكلاً للطالب؛ لأن مشكلته لَم تُحل بعدُ، ومنها أن يخوض فيها بغير علمٍ، فهذا مذموم، وهو يُفسد أكثر مما يُصلح، ومنها أن يبحث عن حلِّها؛ إمَّا عن طريق المطالعة والبحث، وإمَّا عن طريق طلب الاستشارة، وهو مقصودنا، "قال أهل اللغة: الاستشارة مأخوذة من قول العرب: شُرْت الدابَّة، وشَوَّرتها إذا عَلِمت خبرَها، وقيل: من قولهم: شُرْت العسل إذا أخَذته من موضعه"[55].
قال تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159].
يقول ابن سعدي عند هذه الآية: "أي: في الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظرٍ وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيويَّة، ما لا يُمكن حَصره، ومنها: أنَّ في الاستشارة تنور الأفكار؛ بسبب إعمالها فيما وُضِعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول، ومنها ما تُنتجه الاستشارة من الرأي المصيب، فإن المشاوِر لا يَكاد يُخطئ في فِعله.
وإن أخطَأ، أو لَم يتمَّ له مطلوب، فليس بملوم، فإذا كان الله يقول لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو أكمل الناس عقلاً وأغزَرهم عِلمًا وأفضلهم رأْيًا - ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾، فكيف بغيره؟!"[56].
عن ابن عباس قال: "لَمَّا نزَلت: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أمَا إنَّ الله ورسوله لَغَنيَّان عنها، ولكنَّ الله جعَلها رحمة لأُمَّتي، فمَن استشار منهم، لَم يَعْدم رشدًا، ومنَ ترَكها، لَم يَعدم غيًّا))[57].
فأنت ترى في هذا الحديث، كيف كانت المشورة سببًا في القُرب من إصابة الحق، وما في تَرْكها من مقاربة الخطأ والوقوع فيه، فحَرِيٌّ بكلِّ معلم أن يسأل ويُشاور مَن هو أعلم منه فيما أشْكَل عليه؛ ليحصل له بذلك مقاربة الصواب وإصابة الحق، وليَبتعد عن الترفُّع والأَنَفَة، وتعاظُم النفس من سؤال غيره، وطلب رأيه ومَشورته، فإن ذلك ترفُّع في غير محلِّه، ولو كان ذلك محمودًا، لكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أولَى الناس به!
فعليك أيها المعلم، أن تسأل عما أشكَلَ عليك فَهْمُه، أو تعسَّر عليك حَلُّه، ولا تَقُل: إنَّ هذا تهوين من شأني، أو نقص من قدري، لا، بل هو دليل على كمال العقل ورَجَاحته.
الخلاصة:
• المشورة مُعين للمعلم فيما يُشكل عليه من المسائل والقضايا التي تَرِد عليه.
• طلب الاستشارة من الغير، ليست دليلاً على نقص في المرتبة أو في العلم، بل هو دليلٌ على رَجَاحة العقل ورَزَانته.
• في المشورة القُرب من الحق، وفي تَرْكها البُعد عنه.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/library/0/38340/#ixzz4SRtZMvZW
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق